فصل: ذكر قصد بدر ولاية رافع بن مقن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.سنة أربع وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر استيلاء أبي العباس على البطيحة:

في هذه السنة، في شعبان، غلب أبو العباس بن واصل على البطيحة، وأخرج منها مهذب الدولة.
وكان ابتداء حال أبي العباس أنه كان ينوب عن طاهر بن زيرك الحاجب في الجهبذة، وارتفع معه، ثم أشفق منه ففارقه وسار إلى شيراز، واتصل بخدمة فولاذ، وتقدم عنده، فلما قبض على فولاذ عاد أبو العباس إلى الأهواز بحال سيئة، فخدم فيها.
ثم أصعد إلى بغداد، فضاق الأمر عليه، فخرج منها، وخدم أبا محمد ابن مكرم، ثم انتقل إلى خدمة مهذب الدولة بالبطيحة، فجرد معه عسكراً، وسيره إلى حرب لشكرستان حين استولى على البصرة، ومضى إلى سيراف وأخذ ما بها لأبي محمد بن مكرم من سفن ومال، وأتى أسافل دجلة، فغلب عليها، وخلع طاعة مهذب الدولة.
فأرسل غليه مهذب الدولة مائة سميرية فيها مقاتلة، فغرق بعضها، وأخذ أبو العباس ما بقي منها، وعدل إلى الأبلة، فهزم أبا سعد بن ماكولا، وهو يصحب لشكرستان، فانهزم أيضاً لشكرستان من بين يديه، واستولى ابن واصل على البصرة، ونزل دار الإمارة، وأمن الديلم والأجناد.
وقصد لشكرستان مهذب الدولة، فأعاده إلى قتال أبي العباس في جيش، فلقيه أبو العباس وقاتله، فانهزم لشكرستان وقتل كثير من رجاله، واستولى أبو العباس على ثقله وأمواله، وأصعد إلى البطيحة، وأرسل إلى مهذب الدولة يقول له: قد هزمت جندك، ودخلت بلدك، فخذ لنفسك؛ فسار مهذب الدولة إلى بشامني، وصار عند أبي شجاع فارس بن مردان وابنه صدقة، فغدرا به وأخذا أمواله، فاضطرا إلى الهرب، وسار إلى واسط فوصلها على أقبح صورة، فخرج إليه أهلها فلقوه وأصعدت زوجته ابنة الملك بهاء الدولة إلى بغداد وأصعد مهذب الدولة إليها فلم يمكن من الوصول إليها.
وأما ابن واصل فإنه استولى على أموال مهذب الدولة وبلاده، وكانت عظيمة، ووكل بدار زوجته ابنة بهاء الدولة من يحرسها، ثم جمع كل ما فيها وأسله إلى أبيها، واضطرب عليه أهل البطائح واختلفوا، فسير سبع مائة فارس إلى الجازرة لإصلاحها، فقاتلهم أهلها، فظفروا بالعسكر، وقتلوا فيهم كثيراً.
وانتشر الأمر على أبي العباس بن واصل، فعاد إلى البصرة خوفاً أن ينتشر الأمر عليه بها، وترك البطائح شاغرة ليس فيها أحد يحفظها.
ولما سمع بهاء الدولة بحال أبي العباس وقوته خافه على البلاد، فسار من فارس إلى الأهواز لتلافي أمره، وأحضر عنده عميد الجيوش من بغداد، وجهز معه عسكراً كثيفاً وسيرهم إلى أبي العباس فأتى إلى واسط وعمل ما يحتاج إليه من سفن وغيرها، وسار إلى البطائح، وفرق جنده في البلاد لتقرير قواعدها.
وسمع أبو العباس بمسيره إليه، فأصعد إليه من البصرة، وأرسل يقول له: ما أحوجك تتكلف الانحدار، وقد أتيتك فخذ لنفسك.
ووصل إلى عميد الجيوش وهو على تلك الحال من تفرق العسكر عنه، فلقيه فيمن معه بالصليق، فانهزم عميد الجيوش، ووقع من معه بعضهم على بعضٍ، ولقي عميد الجيوش شدة إلى أن وصل إلى واسط، وذهب ثقله وخيامه وخزائنه، فأخبره خازنه أنه قد دفن في الخيمة ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم، فأنفذ من أحضرها، فقوي بها. ونذكر باقي خبر البطائح سنة خمس وتسعين.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة قلد بهاء الدولة النقيب أبا أحمد الموسوي، والد الشريف الرضي، نقابة العلويين بالعراق، وقضاء القضاة، والحج، والمظالم، وكتب عهده بذلك، من شيراز، ولقب الطاهر ذا المناقب، فامتنع الخليفة من تقليده قضاء القضاة، وأمضى ما سواه.
وفيها خرج الأصيفر المنتفقي على الحاج، وحصرهم بالبطانية، وعزم على أخذهم، وكان فيهم أبو الحسن الرفاء، وأبو عبدالله الدجاجي، وكانا يقرآن القرآن بأصواتٍ لم يسمع مثلها، فحضرا عند الأصيفر وقرآ القرآن فترك الحجاج وعاد، وقال لهما: قد تركت لكما ألف ألف دينار. ثم دخلت:

.سنة خمس وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر عود مهذب الدولة إلى البطيحة:

قد ذكرنا انهزام عميد الجيوش من أبي العباس بن واصل، فلما انهزم أقام بواسط، وجمع العساكر عازماً على العود إلى البطائح، وكان أبو العباس قد ترك بها نائباً له، فلم يتمكن من المقام بها، ففارقها إلى صاحبه، فأرسل عميد الجيوش إليها نائباً من أهل البطائح، فعسف الناس، وأخذ الأموال، ولم يلتفت إلى عميد الجيوش، فأرسل إلى بغداد وأحضر مهذب الدولة، وسلموا إليه جميع الولايات، واستقر عليه بهاء الدولة كل سنة خمسين ألف دينار، ولم يعترض عليه ابن واصل، فاشتغل عنه بالتجهيز إلى خوزستان، وحفر نهراً إلى جانب النهر العضدي، بين البصرة والأهواز، وكثر ماؤه، وكان قد اجتمع عنده جمع كثير من الديلم وأنواع الأجناد.
ولما كثر ماله وذخائره، وما استولى عليه من البطيحة، قوي طمعه في الملك، وسار هو وعسكره إلى الأهواز في ذي القعدة، فجهز إليه بهاء الدولة جيشاً في الماء، فالتقوا بنهر السدرة، فاقتتلوا، وخاتلهم أبو العباس، وسار إلى الأهواز وتبعه من كان قد لقيه من العسكر، فالتقوا بظاهر الأهواز، وانضاف إلى عسكر بهاء الدولة العساكر التي بالأهواز، فاستظهر أبو العباس عليهم.
ورحل بهاء الدولة إلى قنطرة أربق، عازماً على المسير إلى فارس، ودخل أبو العباس إلى دار المملكة وأخذ ما فيها من الأمتعة والأثاث المتخلف عن بهاء الدولة، إلا أنه لم يمكنه المقام لأن بهاء الدولة كان قد جهز عسكراً ليسير في البحر إلى البصرة، فخاف أبو العباس من ذلك، وراسل بهاء الدولة، وصالحه، وزاد في إقطاعه، وحلف كل واحد منهما لصاحبه، وعاد إلى البصرة، وحمل معه كل ما أخذه من دار بهاء الدولة ودور الأكابر والقواد والتجار.

.ذكر غزوة بهاطية:

في هذه السنة غزا يمين الدولة بهاطية من أعمال الهند، وهي وراء المولتان،، وصاحبها يعرف ببحيرا، وهي مدينة حصينة، عالية السور، يحيط بها خندق عميق، فامتنع صاحبها بها، ثم إنه خرج إلى ظاهرها، فقاتل المسلمين ثلاثة أيام ثم انهزم في الرابع، وطلب المدينة ليدخلها، فسبقهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم، وأخذتهم السيوف من بين أيديهم ومن خلفهم، فقتل المقاتلة وسبيت الذرية وأخذت الأموال.
وأما بحيرا فإنه لما عاين الهلاك أخذ جماعة من ثقاته وسار إلى رؤوس تلك الجبال، فسير إليه يمين الدولة سرية، فلم يشعر بهم بحيرا إلا وقد أحاطوا به، وحكموا السيوف في أصحابه، فلما أيقن بالعطب أخذ خنجراً معه فقتل به نفسه، وأقام يمين الدولة ببهاطية حتى أصلح أمرها، ورتب قواعدها، وعاد عنها إلى غزنة، واستخلف بها من يعلم من أسلم من أهلها ما يجب عليهم تعلمه، ولقي في عوده شدة شديدة من الأمطار وكثرتها، وزيادة الأنهار، فغرق منه ومن عسكره شيء عظيم.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة كان بإفريقية غلاء شديد بحيث تعطلت المخابز والحمامات، وهلك الناس، وذهبت الأموال من الأغنياء، وكثر الوباء، فكان يموت كل يوم ما بين خمسمائة إلى سبعمائة.
وفيها وصل قرواش وأبو جعفر الحجاج إلى الكوفة، فقبضا على أبي علي عمر بن محمد بن عمر العلوي، وأخذ منه قرواش مائة ألف دينار، وحمله معه إلى الأنبار.
وفيها توفي إسحاق بن محمد بن حمدان بن محمد بن نوح أبو إبراهيم المهلبي.
وفيها توفي محمد بن علي بن الحسين بن الحسن بن أبي إسماعيل العلوي الهمذاني، الفقيه الشافعي، رحمه الله تعالى. ثم دخلت:

.سنة ست وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر غزوة المولتان:

في هذه السنة غزا السلطان يمين الدولة المولتان.
وكان سبب ذلك أن واليها أبا الفتوح نقل عنه خبث اعتقاده، ونسب إلى الإلحاد، وأنه قد دعا أهل ولايته إلى ما هو عليه، فأجابوه. فرأى يمين الدولة أن يجاهده ويستنزله عما هو عليه، فسار نحوه، فرأى الأنهار التي في طريقه كثيرة الزيادة، عظيمة المد، وخاصة سيحون، فإنه منع جانبه من العبور، فأرسل إلى أندبال يطلب إليه أن يأذن له في العبور، ببلاده إلى المولتان، فلم يجبه إلى ذلك، فابتدأ به قبل المولتان، وقال: نجمع بين غزوتين، لأنه لا غزو إلا التعقيب؛ فدخل بلاده، وجاسها، وأكثر القتل فيها، والنهب لأموال أهلها، والإحراق لأبنيتها، ففر أندبال من بين يديه وهو في أثره كالشهاب في أثر الشيطان، من مضيق إلى مضيق، إلى أن وصل إلى قشمير.
ولما سمع أبو الفتوح بخبر إقباله إليه علم عجزه عن الوقوف بين يديه والعصيان عليه، فنقل أمواله إلى سرنديب، وأخلى المولتان، فوصل يمين الدولة إليها ونازلها، فإذا أهلها في ضلالهم يعمهون، فحصرهم، وضيق عليهم، وتابع القتال حتى افتتحها عنوةً، وألزم أهلها عشرين ألف درهم عقوبةً لعصيانهم.

.ذكر عزوة كواكير:

ثم سار عنها إلى قلعة كواكير، وكان صاحبها يعرف ببيدا، وكان بها ستمائة صنم، فافتتحها وأحرق الأصنام، فهرب صاحبها إلى قلعته المعروفة بكالنجار، فسار خلفه إليها، وهو حصن كبير يسع خمسمائة ألف إنسان، وفيه خمسمائة فيل، وعشرون ألف دابة، وفي الحصن ما يكفي الجميع مدة. فلما قاربها يمين الدولة وبقي بينهما سبعة فراسخ رأى من الغياض المانعة من سلوك الطريق ما لا حد عليه، فأمر بقطعها، ورأى في الطريق وادياً عظيم العمق، بعيد القعر، فأمر أن يطم منه مقدار ما يسع عشرين فارساً، فطموه بالجلود المملوءة تراباً، ووصل إلى القلعة فحصرها ثلاثة وأربعين يوماً، وراسله صاحبها في الصلح فلم يجبه.
ثم بلغه عن خراسان اختلاف بسبب قصد ايلك الخان لها، فصالح ملك الهند على خمسمائة فيل، وثلاثة آلاف من فضة، ولبس خلعه يمين الدولة بعد أن استعفى من شد المنطقة، فإنه اشتد عليه، فلم يجبه يمين الدولة إلى ذلك، فشد المنطقة، وقطع إصبعه الخنصر وأنفذها إلى يمين الدولة توثقةً فيما يعتقدونه، وعاد يمين الدولة إلى خراسان لإصلاح ما اختلف فيها، وكان عازماً على الوغول في بلاد الهند.

.ذكر عبور عسكر ايلك الخان إلى خراسان:

كان يمين الدولة لما استقر له ملك خراسان، وملك ايلك الخان ما وراء النهر، قد راسله ووافقه وتزوج ابنته، وانعقدت بينهما مصاهرة ومصالحة، فلم تزل السعاة حتى أفسدوا ذات بينهما، وكتم ايلك الخان ما في نفسه، فلما سار يمين الدولة إلى المولتان اغتنم ايلك الخان خلو خراسان، فسير سباشي تكين، صاحب جيشه في هذه السنة، إلى خراسان في معظم جنده، وسير أخاه جعفر تكين إلى بلخ في عدة من الأمراء.
وكان يمين الدولة قد جعل بهراة أميراً من أكابر أمرائه يقال له: أرسلان الجاذب، فأمره إذا ظهر عليه مخالف أن ينحاز إلى غزنة. فلما عبر سباشي تكين إلى خراسان سار أرسلان إلى غزنة، وملك سباشي هراة وأقام بها، وأرسل إلى نيسابور من استولى عليها.
واتصلت الأخبار بيمين الدولة، وهو بالهند، فرجع إلى غزنة لا يلوي على دار، ولا يركن إلى قرار، فلما بلغها فرق في عساكره الأموال، وقواهم، وأصلح ما أراد إصلاحه، واستمد الأتراك الخلجية، فجاءه منه خلق كثير، وسار بهم نحو بلخ، وبها جعفر تكين أخو ايلك الخان، فعبر إلى ترمذ، ونزل يمين الدولة ببلخ، وسير العساكر إلى سباشي تكين بهراة، فلما قاربوه سار نحو مرو ليعبر النهر، فلقيه التركمان الغزية، فقاتلوه فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة.
ثم سار نحو أبيورد لتعذر العبور عليه، فتبعه عسكر يمين الدولة، كلما رحل نزلوا، حتى ساقه الخوف من الطلب إلى جرجان فأخرج عنها، ثم عاد إلى خراسان، فعارضه يمين الدولة، فمنعه عن مقصده، وأسر أخو سباشي تكين وجماعة من قواده، ونجا هو في خف من أصحابه، فعبر النهر.
وكان ايلك الخان قد عبر أخاه جعفر تكين إلى بلخ ليلفت يمين الدولة عن طلب سباشي، فلم يرجع، وجعل دأبه إخراج سباشي من خراسان، فلما أخرجه عنها عاد إلى بلخ، فانهزم من كان بها مع جعفر تكين، وسلمت خراسان ليمين الدولة.

.ذكر الحرب بين عسكر بهاء الدولة والأكراد:

في هذه السنة سير عميد الجيوش عسكراً إلى البندنيجين، وجعل المقدم عليهم قائداً كبيراً من الديلم، فلما وصلوا إليها سار إليهم جمع كثير من الأكراد، فاقتتلوا، فانهزم الديلم، وغنم الأكراد رحلهم ودوابهم، وجرد المقدم عليهم من ثيابه، فأخذ قميصاً من رجل سوادي، وعاد راجلاً حافياً، ولم يكن مقامهم غير أيام قليلة.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة قلد الشريف الرضي نقالة الطالبيين بالعراق، ولقب بالرضي ذي الحسبين، ولقب أخوه المرتضى ذا المجدين، فعل ذلك بهاء الدولة.
وفيها توفي أبو أحمد عبد الرحيم بن علي بن المرزبان الأصبهاني، قاضي خراسان، وكان إليه أمر البيمارستان ببغداد.
وفيها، مستهل شعبان، طلع كوكب كبير يشب الزهرة عن يسرة قبلة العراق، له شعاع على الأرض كشعاع القمر، وبقي إلى منتصف ذي القعدة وغاب.
وفيها توفي أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الإمام، الفقيه الشافعي، بجرجان في ربيع الآخر، ومحمد بن إسحاق بن محمد ابن يحيى بن مندة أبو عبدالله الحافظ الأصبهاني المشهور، له التصانيف المعروفة. ثم دخلت:

.سنة سبع وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر هزيمة ايلك الخان:

لما أخرج يمين الدولة عساكر ايلك الخان من خراسان، راسل ايلك الخان قدر خان بن بغراخان ملك الختل لقرابة بينهما، وذكر له حاله، واستعان به، واستنصره، واستنفر الترك من أقاصي بلادها، وسار نحو خراسان، واجتمع هو وايلك الخان، فعبرا النهر.
وبلغ الخبر يمين الدولة، وهو بطخارستان، فسار وسبقهما إلى بلخ، واستعد للحرب، وجمع الترك الغزية، والخلج، والهند، والأفغانية، والغزنوية، وخرج عن بلخ، فعسكر على فرسخين بمكان فسيح يصلح للحرب، وتقدم ايلك الخان، وقدرخان في عساكرهما، فنزلوا بإزائه، واقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل.
فلما كان الغد برز بعضهم إلى بعض واقتتلوا، واعتزل يمين الدولة إلى نشز مرتفع ينظر إلى الحرب، ونزل عن دابته وعفر وجهه على الصعيد تواضعاً لله تعالى، وسأله النصر والظفر، ثم نزل وحمل في فيلته على قلب ايلك الخان، فأزاله عن مكانه، ووقعت الهزيمة فيهم، وتبعهم أصحاب يمين الدولة يقتلون، ويأسرون، ويغنمون إلى أن عبروا بهم النهر، وأكثر الشعراء تهنئة يمين لدولة بهذا الفتح.

.ذكر غزوه إلى الهند:

فلما فرغ يمين لدولة من الترك سار نحو الهند للغزاة.
وسبب ذلك أن بعض أولاد ملوك الهند، يعرف بنواسه شاه وكان قد أسلم على يده، واستخلفه على بعض ما افتتحه من بلادهم.
فلما كان الآن بلغه أنه ارتد عن الإسلام، ومالأ أهل الكفر والطغيان، فسار إليه مجداً، فحين قاربه فر الهندي من بين يديه، واستعاد يمين الدولة تلك الولاية، وأعادها إلى حكم الإسلام، واستخلف عليها بعض أصحابه، وعاد إلى غزنة.

.ذكر حصر أبي جعفر الحجاج بغداد:

في هذه السنة جمع أبو جعفر الحجاج جمعاً كثيراً، وأمده بدر بن حسنويه بجيش كثير، فسار بالجميع وحصر بغداد.
وسبب ذلك أن أبا جعفر كان نازلاً على قلج حامي طريق خراسان، وكان قلج مبايناً لعميد الجيوش، فاجتمعا لذلك. فتوفي قلج هذه السنة، فجعل عميد الجيوش على حماية الطريق أبا الفتح بن عناز، وكان عدواً لبدر بن حسنويه، فحقد ذلك بدر، فاستدعى أبا جعفر الحجاج، وجمع له جمعاً كثيراً، منهم الأمير هندي بن سعدي، وأبو عيسى شاذي بن محمد، وورام بن محمد، وغيرهم، وسيرهم إلى بغداد.
وكان الأمير أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي قد عاد من عند بهاء الدولة بخوزستان مغضباً، فاجتمع معهم، فزادت عدتهم على عشرة آلاف فارس.
وكان عميد الجيوش عند بهاء الدولة لقتال أبي العباس بن واصل، فسار أبو جعفر ومن اجتمع معه إلى بغداد، ونزلوا على فرسخ منها، وأقاموا شهراً، وببغداد جمعٌ من الأتراك، ومعهم أبو الفتح بن عناز، فحفظوا البلد، فبينما هم كذلك أتاهم خبر انهزام أبي العباس، وقوة بهاء الدولة، ففت ذلك في أعضاد أبي جعفر ومن معه، فتفرقوا، فعاد ابن مزيد إلى بلده، وسار أبو جعفر وأبو عيسى إلى حلوان، وراسل أبو جعفر في إصلاح حاله مع بهاء الدولة، فأجابه إلى ذلك، فحضر عنده بتستر، فلم يلتفت إليه لئلا يستوحش عميد الجيوش.

.ذكر قصد بدر ولاية رافع بن مقن:

كان أبو الفتح بن عناز التجأ إلى رافع بن محمد بن مقن، ونزل عليه، حين أخذ بدر بن حسنويه منه حلوان وقرميسين، فأرسل بدر إلى رافع يذكر مودة أبيه، وحقوقه عليه، ويعتب عليه حيث آوى خصمه، ويطلب إليه أن يبعده ليدوم له على العهد والود القديم. فلم يفعل رافع ذلك، فأرسل بدر جيشاً إلى أعمال رافع بالجانب الشرقي من دجلة فنهبها، وقصدوا داره بالمطيرة فنهبوها، وأحرقوها، وساروا إلى قلعة البردان، وهي لرافع أيضاً، ففتحوها قهراً، وأحرقوا ما كان بها من الغلات، وطموا بئرها، فسار أبو الفتح إلى عميد الجيوش ببغداد، فخلع عليه وأكرمه ووعده نصره.

.ذكر قتل أبي العباس بن واصل:

في هذه السنة قتل أبو العباس بن واصل، صاحب البصرة، وقد تقدم ذكر ابتداء حاله، وارتفاعه، واستيلائه على البطيحة، وما أخذه من الأموال، وما هزم من جيوش السلطان، وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه.
فلما عظم أمره سار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليحفظ خوزستان منه، وكان في البطائح مقابل عميد الجيوش، فلما فرغ منه سار إلى الأهواز، وبها بهاء الدولة، فملكها على ما ذكرناه وعاد منها على صلح مع بهاء الدولة إلى البصرة، وقد ذكرناه أيضاً.
ثم تجدد ما أوجب عوده إلى الأهواز، فعاد إليها في جيشه، وبهاء الدولة مقيم بها، فلما قاربها رحل بهاء الدولة عنها لقلة عسكره، وتفرقهم: بعضهم بفارس، وبعضهم بالعراق، وقطع قنطرة أربق، وبقي النهر يحجز بين الفريقين، فاستولى أبو العباس على الأهواز، وأتاه مدد من بدر بن حسنويه ثلاثة آلاف فارس، فقوي بهم.
وعزم بهاء الدولة على العود إلى فارس، فمنعه أصحابه، فأصلح أبو العباس القنطرة، وجرى بين العسكرين قتال شديد دام إلى السحر، ثم عبر أبو العباس على القنطرة بعد أن أصلحها، والتقى العسكران واشتد القتال، فانهزم أبو العباس، وقتل من أصحابه كثير، وعاد إلى البصرة مهزوماً منتصف رمضان سنة ست وتسعين وثلاثمائة. فلما عاد منهزماً جهز بهاء الدولة إليه العساكر مع وزيره أبي غالب، فسار إليه، ونزل عليه محاصراً له، وجرى بين العسكرين القتال، وضاق الأمر على الوزير، وقل المال عنده، واستمد بهاء الدولة فلم يمده.
ثم إن أبا لعباس جمع سفنه وعساكره، وأصعد إلى عسكر الوزير، وهجم عليه، فانهزم الوزير، وكاد يتم على الهزيكة، فاستوقفه بعض الديلم وثبته، وحملوا على أبي العباس فانهزم هو وأصحابه، وأخذ الوزير سفنه، فاستأمن إليه كثير من أصحابه.
ومضى، أبو العباس منهزماً، وركب مع حسان بن ثمان الخفاجي هارباً إلى الكوفة، ودخل الوزير البصرة، وكتب إلى بهاء الدولة بالفتح.
ثم إن أبا العباس سار من الكوفة، وقطع دجلة، ومضى عازماً على اللحاق ببدر بن حسنويه، فبلغ خانقين، وبها جعفر بن العوام في طاعة بدر، فأنزله وأكرمه، وأشار عليه بالمسير في وقته، وحذره الطلب، فاعتل بالتعب، وطلب الاستراحة، ونام، وبلغ خبره إلى أبي الفتح بن عناز وهو في طاعا بهاء الدولة، وكان قريباً منهم، فسار إليهم بخانقين، وهو بها، فحصره وأخذه وسار به إلى بغداد، فسيره عميد الجيوش إلى بهاء الدولة، فلقيهم في الطريق قاصدٌ من بهاء الدولة يأمره بقتله، فقتل وحمل رأسه إلى بهاء الدولة، وطيف به بخوزستان وفارس، وكان بواسط عاشر صفر.

.ذكر مسير عميد الجيوش إلى حرب بدر وصلحه معه:

كان في نفس بهاء الدولة على بدر بن حسنويه حقدٌ لما اعتمده في بلاده لاشتغاله عنه بأبي العباس بن واصل، فلما قتل أبو العباس أمر بهاء الدولة عميد الجيوش بالمسير إلى بلاده، وأعطاه مالاً أنفقه في الجند، فجمع عسكراً وسار يريد بلاده، فنزل جنديسابور. فأرسل إليه بدر: إنك لم تقدر على أن تأخذ ما تغلب عليه بنو عقيل من أعمالكم، وبينهم وبين بغداد فرسخ، حتى صالحتهم، فكيف تقدر على أخذ بلادي وحصوني مني، ومعي من الأموال ما ليس معك مثلها؟ وأنا معك بين أمرين إن حاربتك، فالحرب سجال، ولا نعلم لمن العاقبة، فإن انهزمت أنا لم ينفعك ذلك لأنني أ؛تمي بقلاعي ومعاقلي، وأنفق أموالي، وإذا عجزت فأنا رجلٌ صحراوي، صاحب عمد، أبعد ثم أقرب، وإن انهزمت أنت لم تجتمع، وتلقى من صاحبك العتب؛ والرأي أن أحمل إليك مالاً ترضي به صاحبك، ونصطلح. فأجابه إلى ذلك، وصالحه، وأخذ منه ما كان أخرجه على تجهيز الجيش وعاد عنه.

.ذكر الحرب بين قرواش وأبي علي بن ثمال الخفاجي:

في المحرم جرت وقعة بين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلد العقيلي، وبين أبي علي بن ثمال الخفاجي، وكان سببها أن قرواشاً جمع جمعاً كثيراً وسار إلى الكوفة، وأبو علي غائب عنها، فدخلها ونزل بها، وعرف أبو علي الخبر، فسار إليه، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم قرواش وعاد إلى الأنبار مفلولاً؛ وملك أبو علي الكوفة، وأخذ أصحاب قرواش فصادرهم.